غيث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مقتطف من كتاب

اذهب الى الأسفل

مقتطف من كتاب Empty مقتطف من كتاب

مُساهمة  said bakkar الخميس ديسمبر 30, 2010 7:21 pm

تنبيه: نظرا لأهمية هذا المقال، على الأقل في مستواه النظري، ونظرا أيضا لأنكم مقبلون على اجتياز مباريات الماستر، ولم لا، ماستر علم النص وتحليل الخطاب. ارتأيت أن أرسله لكم على سبيل الاستئناس به، والاحتكاك بمبحث جديد.
وللإشارة، فهو مقتطف من كتاب "تحليل الخطاب الأدبي وقضايا النص" للدكتور عبد القادر شرشار، ضمن منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، 2006م. بالمناسبة منشورات هذا الاتحاد مفيدة لطلبة اللغة العربية

تقديم

أضحى البحث في الخطاب الأدبي وصلته بالنقد يستحوذ على اهتمامات دارسي اللغة والأدب منذ منتصف القرن العشرين، بفضل ما قدمته الحقول المعرفية الجديدة كاللسانيات والأسلوبية والسيميائية من مصطلحات وأدوات إجرائية، أسهمت في مقاربة الأثر الأدبي بعيداً عن المقولات النقدية التي كانت مستعارة من كل الحقول إلا حقل الأدب.
ولذلك ألفينا اليوم تراجعاً بيناً عن القيم والخصائص الجمالية التي كان يطلقها النقد العربي الكلاسيكي على الخطاب الأدبي من منظور انطباعي سطحي، منذ عرفت مناهج الدراسات الغربية الحديثة والمعاصرة الانتشار في العالم العربي عن طريق الترجمات. وللوقوف على تطور اتجاهات الخطاب من منظور المناهج النقدية الحديثة، لا بد أن نربط راهن هذا النقد بالخطاب النقدي الكلاسيكي الذي لم يلغ صلته بالبلاغة العربية القديمة، وما آل إليه بعد تراكم المعارف النقدية والعلمية والثقافية التي تربطه بها صلات التأثير والتأثّر، مهدت لظهور خطاب نقدي جديد.
وعلى الرغم من النتائج التي حققتها هذه الدراسات، والمناهج، في تفسير النصوص الأدبية، وتحليلها في ضوء سياقاتها المختلفة: الاجتماعية، التاريخية والدينية، فإنها لا تخرج عادة على التفسير التعليلي، ومحاولة البحث عن الأصول التي انبثقت عنها النصوص الإبداعية، دون مقاربة النص ذاته، ولذلك عجزت عن تحليل بنيات الأثر الأدبي ودلالاته العميقة، واكتفت في أغلب الأحيان بوصف المظهر النصي السطحي، وملابساته التاريخية والسياسية.
إن تطور الخطاب النقدي في أوربا في الخمسينيات من القرن العشرين بفضل المنهج البنيوي الذي اعتمد على مقاربات ( كلود ليفي ستروس) في تحليل النصوص، انطلاقا من وجود أبنية عقلية لا شعورية عامة، تشترك فيها كل الثقافات الإنسانية، على الرغم مما بينها من اختلاف وتباين، كان بداية في البحث عن تحليل النصوص الأدبية. وقد تأثرت عدة حقول معرفية بهذا المنهج العلمي، الذي أحدث ثورة في مناهج تحليل الخطاب الأدبي وغير الأدبي. وكان من شأن هذه النظرة النقدية الحداثية، تحويل مادة الأدب إلى حقل مستقل، لـه عناصر واقعه الذاتية؛ كاللغة والعلامة والوحدات الصغرى والكبرى، وبرصد هذه العناصر وتفكيكها، وتحديد البنيات التي تؤلف النص وتعيين السنن التي تقوم عليها في علاقاتها وتنظيمها، نكون قد وقفنا على أسباب تراجع الخطاب النقدي الكلاسيكي، لأنه لا يمتلك آليات، وأدوات إجرائية تمكنه من إعادة بناء النص، وتحديد مكوناته عبر تفكيكه. كما تتراجع النزعة التفسيرية القائمة على مبدأ المحاور والموضوعات التيمية، ذات الطبيعة التلقينية Didactique.
وهكذا ألغى الخطاب النقدي الحديث من مجال اشتغاله كل تشريع مهما كانت طبيعته، ولم يبق إلا على التشريع الذي يقدر عليه النص بوصفه صناعة كلام، ولكن أيضا بوصفه إنتاجا لخطاب هو خطابه.
كما عرف مطلع القرن العشرين ثورة على المناهج التي ظهرت في الفترات السابقة، وكان من أهمها تلك التي ألحت على دراسة الأثر الأدبي من الداخل، وركزت على النص أولا، وسبب ذلك هو أن المناهج التي تأسس عليها الخطاب النقدي الكلاسيكي، غدت غير مجدية، لا تجيب عن الأسئلة الكثيرة التي يطرحها النقاد، فكان لا بد من إعادة النظر فيها في ضوء الاكتشافات وتأثير العلوم الحديثة، وخاصة علم اللغة العام أو كما يطلق عليه اللسانيات
La Linguistigu.
وإذا كان النص أثرا للغة وشكلا من أشكالها المرتبط ببعض استخدامات الكلام، فكيف يتشكل هذا النص لغة: أي صيغة نشاطه، وتنظيمه الداخلي/الخارجي، بنيته الخاصة، وفعاليته في علاقاته المتبادلة؟
يستجيب هذا البحث للاهتمامات المتزايدة بتحليل الخطاب الأدبي عموما والخطاب السردي بصورة خاصة. وعلى الرغم من أن الدراسات الكثيرة التي ظهرت في العقدين الأخيرين من القرن الماضي قد أعلنت الأخذ بآليات القراءة الغربية لتحليل الخطاب الأدبي، بمناهجها وعلاماتها المستجدة، إلا أن الإحاطة العميقة بالمناهج وبما فيها من أنساق لسانية وأخرى ثقافية واجتماعية، غالبا ما قاد إلى بعثرة الجهد المبذول، إذ لا تكفي كثرة الشواهد والإحالات على رولان بارت وغريماس ودي سوسير وباختين وبروب أو على الشكلانية الروسية والنقاد الجدد أو على البنيوية الغربية وما بعدها للإتيان بقراءة عميقة للنصوص الأدبية. فالذي لابد منه كمرحلة أولى هو توطين الذات القارئة داخل الجهاز المعرفي وآلياته، لتأتي القراءة متناغمة مع خصوصية النص العربي.
ويأتي هذا البحث مساهمة متواضعة في التعريف بأبرز المناهج الحديثة في تحليل الخطاب الأدبي، فهو بالإضافة إلى تتبعه طريقة تفكير الآخر ابتداء من الثورة المنهجية الحديثة التي دشنها الشكلانيون الروس، ودو سوسير، مرورا بالبنيوية والأسلوبية وانتهاء بالسيميائية التي تعد بآفاق جديدة في البحث والاستكشاف، مما يتطلب البحث الدؤوب مستقبلا في هذا المجال الخصب، يقدم حصيلة ما توصل إليه الخطاب النقدي الغربي، كما أنه يعرض عينة يتجلى من خلالها تكريس هذه المعارف من قبل نقاد عرب معاصرين ينتمون إلى جيل ربط صلته بهذه المعرفة النقدية، ونزعم أنه وصل إلى إثارة الأسئلة، ومحاورة الذات والآخر معا.
وربما ساعد الإطار الذي عرضت فيه هذه المادة على فهم تطور الحركة النقدية في الغرب، ليتسنى جني الثمرة التي توسمتها حين أقدمت على تحمل عبء هذه الدراسة ومسؤوليتها، وأرجو أن يجد فيها القارئ مبررات نشرها ومسوغات كتابتها.


الفصل الأول:

الخطاب الأدبي وقضايا النص
من منظور المناهج النقدية الحديثة


أولا: مفهوم الخطاب.
1- تأصيل الخطاب في الثقافة العربية
على الرغم من غنى العربية بالمفردات التي تفوق في عددها مفردات بعض اللغات الأخرى، ترانا نعاني أحيانا من مشكلة تحديد معاني عدد من المفاهيم والمصطلحات العلمية، وتحديد الوافد منها، في إطار العلوم الإنسانية.
فاللغة أي لغة كانت، هي أساس التعامل الإنساني، وهي وسيلة للتعبير عن أوضاع وحالات وأفكار محددة، والمصطلح هو ألف باء العلم، كل علم، وأي علم كان، ( ) ومن هنا تأتي أهمية تحديد مفهوم"خطاب"عملا بمقولة "فولتيرVoltaire " الشهيرة: "قبل أن تتحدّث معي، حدد مصطلحاتك. "( )
إن مصطلح "خطاب "، اسم مشتق من مادة (خ. ط. ب)، وقع اعتماده من طرف الفكر النقدي العربي الحديث ليحمل دلالة المصطلح النقدي الغربي
"Discours"، ولإدراك مدلولـه في الدراسات العربية القديمة لا بد من الرجوع إلى بعض المعاجم العربية وكتب اللغة والفكر والأدب باعتبارها المرشحة لذلك.
ولعل ما يساعدنا على معرفة دلالة هذا المصطلح في التراث العربي القديم هو نص القرآن و "لسان العرب"لابن منظور (ت. 711 هـ)، باعتبار القرآن هو الكتاب الأكثر تجانسا مع خصائص اللسان( ) العربي، ولسان العرب لابن منظور يساعدنا بالرجوع بالكلمة إلى أصلها اللغوي على امتداد زمني كبير. ( ) كما أنه يجنبنا مشقة البحث عن دلالة هذا المصطلح في تراثنا الضخم.
ترددت مادة"خ. ط. ب" في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرّة موزعة على اثنتي عشرة سورة. ويصعب إحصاء مدى تواتر هذا المصطلح في كتب الحديث والسيرة. وأحيل على "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي " ( ) للوقوف على استعمال هذا المصطلح ودلالاته الموظفة في مختلف السياقات.
وقد ورد في "اللسان" لابن منظور في مادة [خ. ط. ب] أن" الخطاب والمخاطبة: مراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابا. وهما يتخاطبان. والمخاطبة صيغة مبالغة تفيد الاشتراك والمشاركة في فعل ذي شأن.
قال الليث: إن الخطبة مصدر الخطيب، لا يجوز إلاّ على وجه واحد، وهو أن الخطبة اسم الكلام الذي يتكلم به الخطيب، فيُوضع موضع المصْدر.
التهذيب: قال بعض المفسرين في قوله تعالى: وَفَصْلُ الخِطَابِ؛ قال: هو أن يحكم بالبينة أو اليمين، وقيل: معناه أن يفصل بين الحق والباطل، ويميز بين الحُكم وضده، وقيل: فصل الخطاب، الفِقهُ في القضاء. "( )
ويرى الزمخشري أنه يجوز أن يراد بمعنى الخطاب في الآية: "القصد الذي ليس فيه اختصار مخل، ولا إشباع ممل"( )
ويرتبط "الخطاب" بالخطابة في النصوص التراثية، فالخطابة في ميدان النثر بمنزلة القصيد في ميدان الوزن، فهي الإطار المثالي الذي تتجلى فيه البلاغة النثرية، ومن ثمّ فإن الجاحظ إذا تكلم في بعض النصوص عن الخطابة والسياق، فهو يقصد البلاغة"ولم يذكروا بالخطابة ولا بهذا الجنس من البلاغة"( )، وليس هذا معناه أنه لا يفرق بينهما، ولكنه يتصور العلاقة بينهما على هذا الشكل ليس أكثر، كما ذهب إلى ذلك محمد الصغير بناني. ( )
ولو أردنا التعبير عن هذه العلاقة، لكان الشكل الآتي، هو الكاشف عن العلاقة التي تجعل البلاغة جنسا، والخطابة نوعاSad )
(كل الخطابة = البلاغة) أمّا (كل بلاغة # الخطابة).
ويرتبط الحديث عن الخطاب بالخطابة التي فصلها أرسطو طاليس عن الشعر، وقد قال عن مُكوّناتها: "أما اللاتي ينبغي أن يكون القول فيهن على مجرى الصناعة فثلاث: إحداهن الإخبار من أي الأشياء تكون التصديقات والثانية ذكر اللاتي تستعمل في الألفاظ، والثالثة أنه كيف ينبغي أن ننظم أو ننسق أجزاء القول. ( ) ونستخلص من مقولة أرسطو عناصر الخطابة الآتية:
ـ عنصر الإقناع أو البراهين.
ـ الأسلوب أو التنظيم أو البرهان.
ـ ترتيب أجزاء القول.
والخطابة عند أرسطو مبنية على المبادئ الكلية، يعرّفها بقوله:إنها الكلام المقنع، وهي نوع من القياس، وتقابل في اللغة اللاتينية Rhétorique"( ) . فهي إذاً ليست من جنس الاشتقاق نفسه الذي تخضع لـه اللفظة في العربية، (خطب خطاب)، حيث نلاحظ أن الجذرين مختلفان في اللغة اللاّتينية، كما يوضحه الشكل الآتي:
(Discours Rhétorique ).
وإن كان الغرض من البلاغة يكاد يكون متشابها في الثقافتين العربية والإغريقية، فهو في البلاغة العربية عرض الأفكار بأسلوب مقنع، ويتفق مع ما ذهب إليه أرسطو: "أنها الكلام المقنع". ( ) ولا يتم التصديق في الخطابة إلا بموافقة المقال للمقام، وهو المبدأ الأساسي الذي ركز عليه بشر بن المعتز في رسالته البلاغية ؛ أي: أن يراعى كيف المتكلم في حال تأديته الخطاب، هل هو في خشوع، أو لطف أو وجد، أو غير ذلك، ثم طريق استدراج السامعين، ولا يتم هذا إلا بالأقاويل الخلقية والانفعالية التي تتعلق بطبائع الناس، ومصالحهم، وعاداتهم وتأثيرهم. ( )
2- مفهوم الخطاب: الطرح النظري.
يستمد مفهوم الخطاب قيمته النظرية، وفعاليته الإجرائية من كونه يقف راهنا في مجال النقد الأدبي الحديث في نقطة تقاطع/تلاقي بين تحليل النصوص والإجراءات التطبيقية التي تتطلبها عمليات التحليل، والأعمال الأدبية الإبداعية بصفة عامة باعتبارها نظاما مغلقا لا يحيل إلاّ على نفسه. بل إنّ مفهوم الخطاب (قد) يعود بنا أدراجا إلى ما هو أعمّ، من اعتباره مجرد مفهوم إجرائي في تفكيك سنن النصوص ومرجعياتها، وذلك من خلال إعادة النظر في أنساق المعرفة النقدية التي اتخذت من النصوص التراثية سندا لها.
وتعود جذور مصطلح الخطاب إلى عنصري اللغة والكلام، فاللغة عموما نظام من الرموز يستعملها الفرد للتعبير عن أغراضه، والكلام إنجاز لغوي فردي يتوجه به المتكلم إلى شخص آخر يُدعى المخاطب.
ومن هنا تولد مصطلح الخطاب، بعدّه رسالة لغوية يبثها المتكلم إلى المتلقي، فيستقبلها ويفك رموزها. ( )
ميّز دي سوسير بين اللغة (ueLang) والكلام(Parole)، حيث اعتبر اللغة جزءا جوهريا من اللسان، وهي في الوقت ذاته نتاج اجتماعي لملكة اللسان، يتبناها المجتمع لتسهيل ممارسة هذه الملكة عند الأفراد، فهي مؤسسة اجتماعية (Institution sociale) حركتها التكرار والثبات. أما الكلام فهو نتاج فرد يصدر عن وعي وإرادة، ويتصف بالاختيار، ويتجلى ذلك في الحرية التي يمتلكها الفرد في استخدامه للأنساق التعبيرية، مستعينا في إبراز أفكاره بآليات نفسية، وفيزيائية، لهذا، فالكلام يولد خارج النظام، وضد المؤسسة لأنه السلوك اللفظي اليومي الذي لـه طابع الفوضى والتحرر. ( )
إنّ مفهوم الخطاب اللساني حديث نسبيا، وتحديده من الأمور المستعصية، نظرا للتطور الذي حصل في علم اللسانيات، والتحولات السريعة التي عرفتها معظم النظريات التي تندرج تحته. فقد اختلط مفهوم الخطاب والتبس بغيره من المصطلحات، وبخاصة مصطلح النص، لأنها ظلت تلازمه في المعنى، وترادفه في الاستعمال، كما أن توظيفه في البحوث النقدية المعاصرة عرف ارتباكا كبيرا. ومن الأدلة على ارتباك المصطلح في الاستعمال ما نراه عند (يمسليف Hjelmslev) حيث يعوضه بالنص، ويضعه بدله. ( ) كما جعله (جيلام غيوم G.Guillaume) مرادفا للسان. ( )
أما مصطلح خطاب "Discours" المأخوذ عن اللاتينية "Discours Sus"ومعناه (الركض هنا وهناك)، فليس أصلا مباشرا لما هو مصطلح عليه بالخطاب، إلا أن الجذر اللغوي اللاتيني أصبح يحمل معنى الخطاب أو ما اشتق منه من معان منذ القرن السابع عشر، فقد دل المصطلح على معنى طريق صدفي، ثم المحادثة والتواصل، كما دل على تشكيل صيغة معنوية سواء أكانت شفهية أم مكتوبة عن فكرة ما. ( )
وتحول اللوغو الإغريقي (Logos) ومثيله اللاتيني (Oratio) للدلالة على معنى "الخطاب البليغ" الذي يشتمل على أجزاء كالفعل والاسم والتوابع والوصف والسرد والاستهلال والغرض. ( )
ويلاحظ أن استخدام مصطلح خطاب تطور طرديا وبشكل متواز مع تاريخ الفكر الإنساني والعلمي، ففي القرن السابع عشر (الذي ينعت بعصر الشفافية وصفاء اللسان والفكر في العرض والتحليل) ظهر مؤلف يؤكد هذه الحقيقة وهو كتاب "ر. ديكارت René Descartes " ( ) ، الموسوم بـ: مقالة الطريقة (Discours de la méthode. «1637»). ( )
ولم يكن مفهوم الخطاب في منظور البلاغة الكلاسيكية مجرد وسيلة يعبر بها عن الفكرة، ولكن كان ينظر إليه باعتباره كيانا مستقلا، يحمل خصائصه الذاتية، ويتجلى ذلك في المرسلة الصادرة من الكاتب نحو المتلقي سواء أكان مشاهدا أم قارئا بحيث يتوخى المرسل (الباث/الكاتب) في كل الحالات التأثير في المتلقي (القارئ/المشاهد). ( )
و"اختفت الدلالات التي كانت تقرن-عادة- بمادة "Discours" في بداية القرن العشرين، لأن اللسانيات الحديثة اقترحت مفهوما مرنا للخطاب، حيث اعتبرته ملفوظا يرتهن من خلاله (الباث/المتكلم) اللغة بالكلام بمفهوم دي سوسير للمصطلح، وبذلك أصبح الخطاب في العلوم الإنسانية (سوسيولوجيا، علم النفس التحليلي، اللسانيات، الخ.. ) موضوعا علميا ونقديا. "( )
واقترح اللسانيون منذ دي سوسير مجموعة من التعاريف للخطاب، استفادت من الدراسة التأسيسية التي حدد فيها أرسطو مفهوم هذا المصطلح في كتابه فن الشعر، غير أن تراكمها يطرح اليوم صعوبة في إحصائها والربط بينها، نظرا للخلفيات المنهجية، والرؤى النقدية التي ينطلق منها أصحابها.
إن الجدل حول مفهوم مصطلح الخطاب كان موضوع بحث لدى قدماء النحويين من غير العرب، فهو بالنسبة للهنود بداية لجرد بنيوي يتم من خلاله تحديد موقع الفعل والاسم والملحقات والاستثناءات في حفريات اللغة. ( )
وفي عهد الإغريق رأى أرسطو أن التعبير والبيان يقومان على الأجزاء اللغوية الآتية: الحرف ـ المقطع اللفظي ـ روابط النسق ـ الأداة ـ الفعل ـ الاسم. ويعود الفضل بعد ذلك إلى (دونيس وترا كيس)DENYS-THRACES اللذين ميزا بين الأجزاء الثمانية التي أعيد بعثها من قبل اليهود والعرب في القرون الوسطى، حيث تم اعتماد الأجزاء كلها باستثناء عنصرين من ترتيبات أرسطو باعتبارهما يدخلان ضمن مستوى تحليلي آخر. وحددت قائمة الترتيبات على الشكل الآتي: الأداة- الضمير ـ الاسم ـ الفعل ـ اسم الفاعل أو المفعول ـ الظرف ـ حرف الجر ـ الاسم الموصول.
وعرفت هذه الترتيبات وما لحق بها من مفاهيم تغييرات كثيرة، وألحقت بها عناصر فرعية متعددة، تماشت وحركية اللغة وتطورها في عهد مدرسة "بور روايال Port ـ Royal " وهو ما تعرض لـه "أرنولد ولنسولو Arnold et Lancelot " في كتابهما: النحو العام والممنطق Grammaire générale raisoénne te (1660)، وقد أشارا فيه إلى التحول الذي أحدثته الدراسات النحوية والبلاغية على منطق اللغة الموروث منذ أرسطو، فبالنسبة لمفهوم الفعل أصبح لا يقال بالمنطق الإغريقي:هو كلمة تدل على فكرة الزمن، ولكن ساد تصور مفاده أن الخطاب الذي استعمل فيه لفظ (الفعل) خطاب رجل لا يقصد الأشياء بذاتها، بقدر ما هو في حال الحكم عليها. ( )
وقد كثر الحديث عن علاقة اللغة بالمنطق الأرسطي خاصة بعد صدور كتاب دي سو سير، وأصبح الاعتقاد أن المنطق لا يمكن أن يكون مرجعا في العملية اللسانية، كما لا يمكن الاعتماد عليه في توجيه حركة اللسان وتطوره، لأن النظرية المنطقية تقوم على الحقيقة المطلقة، بينما تعتبر اللغة ظاهرة اجتماعية عارضة. "( )
والخطاب بدوره لا يخضع لمنطق اليقين لكونه لا ينتهي إلى مبادئ عملية، ولا يرتكز على ثوابت تفضي إلى نتائج رياضية. ( )

ثانيا: إشكالية النص والخطاب:

1 ـ الطرح النظري لمفهوم النص في التراث العربي:
لم يعرف العرب في تاريخهم ممارسة نصية تامة إلاّ مع القرآن الكريم، وهي أولى مظاهر هذه الممارسة "وتتمثل في الوقوف على "النص في ذاتيته النصية" بتعبير بارت، فذاتية النص تجليها قراءة للمكتوب تجعل النص كلاما يقوم بنفسه إزاء كلام آخر يظهر عبر إنجاز لغوي مختلف. "( )
وقد أدرك الباقلاني هذا الأمر في القرآن الكريم فقال:"إذا تأملته تبيّن بخروجه عن أصناف كلامهم وأساليب خطابهم، إنه خارج عن العادة وأنه معجز؛ وهذه خصوصية ترجع إلى جملة القرآن، وتميّزٌ حاصلٌ في جميعه."( )
يظهر الفرق بين النص والخطاب في قول الباقلاني واضحا، فقد لاحظ أن بين النص مكتوبا والخطاب ملفوظا وحدة لغوية يقف الإنجاز فيصلا فيها بين الطرفين، وهو إدراك رائد للدراسات اللسانية العربية تذكرنا اليوم بنظرية/دي سوسير/ في اللغة والكلام، أو بنظرية/تشومسكي/ في الكفاية والأداء، فالنص كلام إلاّ أنه يصدر عن ذاتيته النصية التي عملت على إنجازه وأدائه. والكلام الآخر غير نصي، ولكنه كلام أيضا، إلاّ أنه خطاب شفوي عمل الشخص على إنجازه وأدائه. ( ) ومنه نستنتج أن وحدة اللغة لا تحول دون تعددية الإنجاز والأداء، ولذا صار ينظر إلى النص في ذاتيته النصية، وصارت ممارسته لغة المكتوب جزءا من ممارسة النص نفسه. ( )
2 ـ مفهوم النص في المعجم العربي القديم:
سبق أن ذكرنا أن العرب لم يعرفوا في تاريخهم ممارسة نصية تامة باستثناء ممارسة النصية مع القرآن، ولذلك ألفينا دلالة مادة "ن. ص. ص" بعيدة عن الدلالة المستحدثة في الدراسات الأدبية، فقد ورد في لسان العرب لابن منظور في مادة "نصص" ما يأتي:
" نصص :النص:رفعُك الشيء. نص الحديث ينصُّه نصا:رفعه. وكل ما أُظهر فقد نُصّ. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت رجلا أنصَّ للحديث من الزُّهري أي أرفع لـه وأَسندَ. يقال: نصَّ الحديث إلى فلان أي رفعه، وكذلك نَصَصْتُه إليه. ونصت الضبية جيدَها:رفعته.
وأصل النص أقصى الشيء وغايته، ثم سمّي به ضربٌ من السير سريع.
ابن الأعرابي: النص الإسناد إلى الرئيس الأكبر، والنص التوقيف، والنص التعيين على شيء ما، ونص كل شيء منتهاه، وفي الحديث عن علي رضي الله عنه، قال: إذا بلغ النساء نَصَّ الحِقاقِ فالعَصَبَة أَوْلى، يريد بذلك الإدراك والغاية. وقال الأزهري: النص أصله منتهى الأشياء ومبْلغ أقصاه. وقصص الرجل غريمه إذا استقصى عليه، ومنه قول الفقهاء نصُّ القرآن ونصُّ السنة أي ما دلَّ ظاهرُ لفظهما عليه من الأحكام. ونصّ الشيء حركه. ونصنص لسانه إذا حركه، والنصنصة تحرك البعير إذا نهض من الأرض. "( )
فنحن لا نكاد نعثر على دلالة من الدلالات التي يعرف بها النص في الدراسات النقدية الحديثة في الشاهد الطويل الذي أتينا على ذكره. وهو اتجاه في التراث يقف على النقيض من تعريف البنيوية التي تنظر إلى النص على أنه بنية مغلقة ومنتهية. ( ) فالبنيوية لا تهتم بالمفهوم الأدبي قدر اهتمامها بالوظيفة الأدبية، لأن المفهوم متطور عبر العصور، متحول من مجتمع إلى آخر، والنص الأدبي هو في واقع التكوّن مجموعة نصوص.
وعلى الرغم من كثرة استخدام كلمة "نص" في كتابات السلف الأصولية والفقهية، إلاّ أننا لا نعثر على تعريف لهذا المصطلح، ويعتبر منذر عياشي "غيبة التعريف" مدعاة للحيرة. ( ) أمّا التفسيرات المعجمية اللفظية التي قدمنا نموذجا منها عند ابن منظور، فإنها تؤكد ما قلناه، وهو أن معنى النص بقي محصورا في الدلالة على الكتاب والسنة، بالإضافة إلى دلالات أخرى، كـ"نص الشيء:رفعه وأظهره، وإذا كان حديثا أسنده إلى قائله، ونص الناقة استحثها بشدة، والشيء حرّكه.. (لسان العرب:ج/6، ص. 648).
3 ـ مفهوم النص بين التراث العربي والتراث الغربي:
أما حين نعود إلى الأصل اللاتيني لكلمة"نص" في اللغات الأوربية، فإننا نجد كلمتيْ: Texte, Text مشتقتين من " Textus" بمعنى النسج " Tissu " المشتقة بدورها من Texere بمعنى نسج. ( )
وللوصول إلى مقارنة أصل الاشتقاقين، لابد من التذكير ثانية بالاشتقاق عند العرب، حيث وجدنا في "اللسان" لابن منظور في مادة (ن. ص. ص)، أن النص: رفعك الشيء، نص الحديث ينصه نصا رفعه، وكل ما أُظهر فقد نصّ. "وقال الأزهري (ت. 370 هـ): النص أصله منتهى الأشياء ومبلغ أقصاه، ومنه قيل: نصصت الرجل إذا استقصيت مسألته عن الشيء حين تستخرج كل ما عنده، وكذلك النص في السير إنما هو أقصى ما تقدر عليه الدابة.. وانتص الشيء وانتصب إذا استوى واستقام. "(لسان العرب:ج/6، ص. 648)
فالأصل اللاتيني يحيل على النسج ويوحي بالجهد والقصد، ولعله يوحي أيضا بالاكتمال والاستواء. "أفليس النسج مجموعة من العمليات التي يتم بمقتضاها ضم خيوط السدى إلى خيوط اللحمة لنتحصل على نسيج ما يُعتبر تتويجا لهذه العمليات؟ ثم ألا يعني النسج بمعناه الواسع الإنشاء والتنسيق في ضم الشتات والتنضيد؟"( ) بينما يحيل الأصل في اللغة العربية على الاستواء والكمال، وعلى النسيج أيضا، على الرغم من أن ابن منظور في مادة (نصص) لم يشر إلى ذلك، ولكن إذا عدنا إلى مادة (ن. س. ج) نجد ما يحيل على ذلك"نسج: النسج ضمُّ الشيء إلى الشيء، هذا هو الأصل.. والريحُ تَنْسِجُ الماءَ إذا ضربَتْ مَتنَهُ فانتَسجتْ لـه طرائق كالحُبُكِ. ونسجت الريح الربْوَ إذا تعاورته ريحان طولا وعرضا.
ونسج الكذّابُ الزُّورَ:لفّقه. ونسج الشاعر الشعر: نظمه، ونسج الغيث النبات:أنماه حتى التفّ. "(لسان العرب:المجلد السادس، ص. 624)
ومقارنة ما ورد في اللغتين العربية واللاتينية يؤدي معنى بلوغ الغاية والاكتمال في الصنع.
ومن الدارسين مَن يستخلص خصائص النص بمعناه الحداثي من التفسيرات المعجمية التراثية العربية، فهذا منذر عياشي يعرّف النص استنادا إلى قراءته التراثية، لا سيما ما ورد في تفسير مادة (ن. ص. ص) ويمزج ذلك بما تحقق لـه من القراءات الحداثية لتعريف النص في اللغات الأوربية، فيقول:".. فالنص دائم الإنتاج لأنه مستحدث بشدة، ودائم التخلق لأنه دائما في شأن ظهورا وبيانا، ومستمر في الصيرورة لأنه متحرك، وقابل لكل زمان ومكان لأن فاعليته متولدة من ذاتيته النصية، وهو إذا كان كذلك، فإن وضع تعريف لـه يُعتبر تحديدا يُلغي الصيرورة فيه، ويعطل في النهاية فاعليته النصية.. "( ) [التشديد مني]
إن هذه القراءة على الرغم من الجرأة التي تتميّز بها، إلاّ أن محاولة تحميل التفسيرات المعجمية واللغوية التراثية دلالات غائبة في نصوصها ـ أصلا ـ عبر عملية قسرية قد يؤدي إلى انحراف في قراءة التراث، وتأويله تأويلا قسريا، لا يفيد الدراسة الحداثية في شيء.
ويستخلص من بعض الدراسات الغربية المهتمة بنظرية النص أن تعريفه غير مستقر، فهذا رولان بارت يرفض تعريف تودوروف للنص ويعيب عليه تأثره بالبلاغة، وينتهي إلى القول بعد تحليل طويل:" نفهم الآن أن نظرية النص موضوعة في غير مكانها المناسب في المجال الحالي لنظرية المعرفة، ولكنها تستمد قوة معناها من تموضعها اللامناسب بالنسبة للعلوم التقليدية للأثر الفني، تلك العلوم التي كانت ولا تزال علوما للشكل أو للمضمون.. "( ) كما توصل تودوروف من جهته إلى الإقرار بأن التعريف الوظيفي للأدب تعريفات لا يمكن حصرها، والوظيفة الأنطولوجية تعدم أي وظيفة أخرى تتصل بالبناء النصي. ( )
إن التمييز بين النص والخطاب في ضوء المناهج النقدية الحديثة يطرح إشكالا كبيرا، نظرا لتعدد الآراء واختلافها، وكثرة التصورات وتضاربها، مما يجعل البحث أمام صعوبة تأطيرها وفرزها، وبالتالي تحليلها ومناقشتها. فالنص باعتباره النتيجة الوحيدة –ولو كانت مؤقتة ـ للكتابة، يمثل الحقيقة الفريدة التي تتيح إقامة دراسة علمية ترتبط بتصور إنتاج هذا النص. " ( )
4 ـ مفهوم النص وقضاياه في الدراسات النقدية الحديثة:
إن البحث عن تعريف لمفهوم النص وقضاياه في الدراسات النقدية الحديثة أمر صعب نظرا لتعدد معايير هذا التعريف، ومضامينه، وخلفياته المعرفية في علم اللسانيات، والأسلوبية، وتعدد الأشكال والمواقع والغايات التي اشترطها المنظرون، في ما نطلق عليه مصطلحيا "النص". ( )
ولتقريب هذا المفهوم تناولـه الدارسون "من حيث وجوده الفيزيائي ومكوناته، ومن حيث هو حدث أو عمل منجز في الزمان والمكان، ومن حيث هو مؤسسة اجتماعية حضارية تؤدي دور العلامة الدالة بما تتسم به من سمات النشاط اللغوي الفردي والجماعي. "( )
ومن الصعوبات المنهجية في البحث عن مفهوم للنص: خضوع عملية تحديد ما هو نص وما ليس نصا إلى ثقافة الأمّة، وصيغة تصورها للأشياء، وفق ما تمليه المنظومة اللغوية. فالكلام الذي تعتبره ثقافة ما نصا، قد لا يُعتبر نصا من قبل ثقافة أُخرى. ( ) لذلك قال (ميشال فوكو M. Focault ) في مجال التفرقة بين النص واللانص:" إذا كان الكلام لا يحصى فإن النصوص نادرة". ( ) ويتمتع النص بخاصية التنظيم الفريد الذي يعزله عن "اللانص"، لذلك اعتبر عبد السلام المسدي في كتابه: (النقد والحداثة 1983) النص الأدبي جهازا ينظمه تماسك لغوي خاص. ( )
ارتبط ظهور المصطلح (نص TEXTE ) بظهور عدد من المؤسسات في المجتمع البشري عبر تطورها التاريخي، وكان أولها ظهور الكتابة من حيث هي وسيلة لتجاوز ضعف الذاكرة وفعل الزمن، فاتخذ بذلك الملفوظ حيزا في الفضاء واستقل بوجوده، وهو ما هيأ لـه الاستقرار. (J. L. Houdbine, P. 27 )
وإذا كان النص أثرا للغة وشكلا من أشكالها المرتبط ببعض استخدامات الكلام، فكيف يتشكل هذا النص لغة: أي صيغة نشاطه، وتنظيمه الداخلي/الخارجي، بنيته الخاصة، وفعاليته في علاقاته المتبادلة؟
تنظر (جوليا كرستيفا risJ. kr téva ) إلى النص على أنه جهاز عبر ـ لساني، يعيد توزيع نظام اللسان (Langage )عن طريق ربطه بالكلام (Parole )التواصلي. ( )
ويبرز هذا الطرح وضع النص إزاء الكلام، فعلاقته باللسان الذي يقع فيه علاقة إعادة توزيع (هدم ـ بناء )؛حالة قد يتسع فيها الكلام عن النص، فيعجز الثاني عن احتواء الأول داخل حدوده، حيث يكون الكلام ملكا لكل متكلم: مستمعا أو باثا، متلقيا للغة ما، أو يحيل فيها النص على لغة أو على قاموسها اللغوي أو القواعد التي تحكم إنجازه ( قواعد التركيب، قواعد الصرف…الخ) وتمثل عملية التحكم فيها كما هو معروف القدرة لدى الباث و المتلقي على حد سواء، والتي تترجم هي نفسها اللفظ، والعبارة حسب الخطاب. ( )
ويبدو النص فضاء يتقاطع فيه ـ على الأقل ـ خطابان، و مسألة الآخر مطروحة في النصية ذاتها، وكل تصور لنص أحادى، تنتجه ذات فردية تعبر عن حالتها أو أنيتها تصور لا يخلو من الخطأ، حسب تصور "هودبين". ( )
إنّ ما يطرحه "جون لوي هودبين. Houdbine" L.J من قضايا حول النص لا يمثل ثورة على المفاهيم القديمة، ولا ينتج خطابا نقديا جديدا، لكنّ قيمته تبدو في تركيزه على خصوصية الكلام الأدبي، والإنتاجية الأدبية، التي يشتغل عليها النص مقارنة بإنتاج الكلام في مجالات غير مجال الأدب، كالكلام العادي أو العلمي.
ومن أجل إبراز أدبية النص لجأ "جون لوي هودبين" إلى مقارنة النص الأدبي بأشكال أخرى قياسية، كمجموعة يحال عليها. ( ) و هو ما سلكه الشكلانيون الروس حين تبنوا منهج التقابل بين اللغة الشعرية و اللغة العادية، وكانت هذه البحوث قاعدة انطلق منها الباحثون في التمييز بين ما هو أدبي شعري، وما هو كلام عادي. فلم يؤسس بعض الطلبة بإشراف أكاديمية العلوم حلقة اللسانيات بموسكو إلاّ تطلعا إلى إنشاء "علم أدبي" بتطوير اللسانيات والشعرية معا، وهذا الجمع بين الحقلين يُصرّح بالمنهاج المتبع في القراءة الشكلانية المُقاربة بين النص العاديّ والنص الأدبي. ( )
فالانفصال المفهومي والوظيفي بين الحقلين لم يتمّ إلاّ عند تأسيس "مجموعة دراسة اللغة الشعرية" (iaz Po) في ما ذهب إليه شكلوفوسكي بخصوص اعتبار النص الأدبي مُعطى مستقلا بذاته عن مجال القراءة وتاريخ الأدب.
ويتواصل هذا المفهوم "النصّاني" في نظرية الأدب لـ"توماشفسكي"( ) ، وكذا عند "رينيه ويليك وأستين وارين"حيث يغدو مفهوم (النص الصرح Texte Monument) مواجهة للتاريخانية السائدة في النقد التقليدي. ( )
"إن مشْغَل البحث على وصف الظاهرة النصية لم يقتصر بالوقوف عند تركيبها اللغوي وعناصر تنظيمها فحسب، بل تجاوز ذلك إلى دراسة شمولية للأدب، تضع النص في إطار عام ولا تفصل بين المطبوع والشفويّ. "( )
وترتبط بهذا المفهوم عند كرستيفا فكرة النص، باعتباره "وحدة أيديولوجية "( ) ، على أساس أن البحث السيميولوجي يلغي التقسيم البلاغي القديم للأجناس الأدبية، ويحل محله عمليات تحديد أنماط النصوص المختلفة بالتعرف على خصوصية النظام الذي يهيمن عليها، ووصفها في سياقها الثقافي ـ الأدبي الذي تنتمي إليه.
فالوحدة الأيديولوجية هي التقاء النظام النصي كممارسة سيميولوجية بالأقوال و المتتاليات التي يشملها في فضائه، أو التي يحيل عليها فضاء النصوص ذاتها، وهذه الوحدة هي وظيفة التناص التي يمكن قراءتها مجسدة في مستويات مختلفة ملائمة لبنية كل نص، وممتدة على مداره، مما يجعلها تُشكّل سياقه التاريخي والاجتماعي. ( )
ومن أجل ذلك تنظر السيميولوجية للنص من حيث خصوصيته الإنتاجية لا كمنتج، ولكن كدليل منفتح ومتعدد الدلالات عكس المقاربات التقليدية التي تعتبر النص عملا مغلقا و معنى محدودا.
وتبحث كرستيفا في مقاربتها النصية عن تعدد الدلالات من خلال ما تسميه بـ: "التدليل SIGNIFIANCE"، و التدليل يختلف عن الدلالة كونه عملية تنفلت من خلالها "ذات النص"، من منطق "الأنا" إلى منطق آخر، يتم فيه تحاور المعنى وتحطيمه، على اعتبار النص نمطا إنتاجيا دالا يحتل مكانة هامة في التاريخ. ( )
ويدعى العلم الجديد الذي يدرس النص وفق المنظور الذي تتبناه كريستيفا في أبحاثها : "'السيميائية التحليلية Sémanalyse " الذي ينطلق من اللسانيات باعتبار النص إنتاج لغة. وإن كان هذا العلم ينطلق من اللسانيات فهو يتجاوزها لسبب بسيط هو أن النص ليس مظهرا لسانيا، بمعنى أن دلالته المبنية لا تتقدم إلينا في إطار متن لساني، منظورا إليه كبنية مسطحة، بل هو توليد (Engendrement) مسجل في هذه "الظاهرة " اللسانية، وتبعا لذلك يغدو النص الظاهر" Phéno ـ Texte " هو النص المسجل عن طريق الطبع، لكنه لا يصبح قابلا للقراءة إلا إذا صعدنا عموديا عبر التكوين (Genèse)؛ تكوين مقولاته اللسانية من جهة، ومن جهة ثانية تكوين طوبولوجيا الفعل الدال. ( )
ويتضح ممّا تقدم أن كريستيفا استلهمت العديد من آراء الباحثين الشرقيين السوفييت و لا سيما الشكلانيين الروس ومن استفاد من منهجهم، كما أن المفاهيم التي أثارتها حول نظرية النص عرفت صدى كبيرا لدى الباحثين الذين وجهوا جهودهم نحو دراسة علم النص.
لقد أدركت جوليا كريستيفا بوضوح أن النص الأدبي يخضع في تركيبه الظاهر والخفي لقوانين الوجود والعدم، واستفادت في ذلك بما قرأته لكانط وهيغل وماركس ولينين والوجوديين عامّة، فحولت النص الأدبي إلى قضية كبرى، لا تنحبس في وصف الظواهر الأسلوبية ولا تقتصر على استخراج الثنائيات وضبط الوحدات والوظائف الفرعية، بل تحول مشغل بحثها في بنية النص من موضوع تشكله إلى البحث في ماهيته دون التخلي عن حضوره المادي المحسوس. ( )
كما تبلور مفهوم النص عند "ر. بارت B.Rarthes "ابتداء من السبعينيات، وقد أخذنا عن صلاح فضل بعض خصائص هذا المفهوم، المتجلية في النقاط الآتية:
1 ـ يعوض"بارت" العمل الأدبي المتمثل في شيء محدد بمقولة النص التي لا تتمتع إلا بوجود منهجي، وتشير إلى إنتاج، وبهذا لا يصبح النص مجربا كشيء يمكن تمييزه خارجيا، وإنما كإنتاج متقاطع، يخترق عملا أو عدة أعمال أدبية.
2 ـ النص قوة متحولة، تتجاوز جميع الأجناس والمراتب المتعارف عليها، لتصبح واقعا نقيضا يقاوم الحدود وقواعد المعقول والمفهوم.
3 ـ يمارس النص التأجيل الدائم، واختلاف الدلالة، لا يحيل إلى فكرة معصومة بل إلى لعبة متنوعة.
4 ـ النص مفتوح، ينتجه القارئ في عملية مشاركة، لا مجرد استهلاك. هذه المشاركة لا تتضمن قطيعة بين البنية والقراءة، وإنما تعني اندماجهما في عملية دلالية واحدة، فممارسة القراءة إسهام في التأليف. ( )
إنّ النص في منظور رولان بارت "ليس موضوعا، ولكنه عمل واستخدام، وليس مجموعة من الإشارات المغلفة المحملة بمعنى يجب العثور عليها، ولكنه حجم من الآثار التي لا تكفّ عن الانتقال"( ) ولعل هذا ما جعل صلاح فضل يركز على أهمية المنظور اللغوي في مقاربة مفهوم النص، حيث يشير إلى بعض الخصائص الضرورية: فالخاصية الأولى لتحديد النص، وهي: الاكتمال، وليس الطول أو الحجم المعين، وقد كان اللغوي"يملسيف Hjelmslev " يقول: إن أبعاد العلامة لا تمثل منظورا مناسبا لتحديدها، بحيث نجد أن كلمة واحدة مثل: "نار"، يمكن أن تكون علامة في مقابل عمل روائي ضخم مثلا، فكل منهما يمكن اعتباره "نصا"، وذلك بفضل اكتماله واستقلاله، بغض النظر عن أبعاد مضمونه أو طوله. ( )
فالنص علامة كبيرة ذات وجهين: وجه الدال ووجه المدلول، ويتوفر في مصطلح (نص) في العربية، وفي مقابله في اللغات الأجنبيةTexteمعنى النسيج، فالنص نسيج من الكلمات يترابط بعضها ببعض، هذه الخيوط تجمع عناصره المختلفة والمتباعدة في كلٍّ واحدٍ، هو ما نطلق عليه مصطلح"نص". ( )
كما يتضمن مصطلح "نص Texte " في النقد الحديث معنى الأثر المكتوب في شموليته، وعبر مستوياته التنظيمية، ومفاهيمه الاجتماعية، الخيالية، الذاتية والوصفية. ويمثل مراحل التطور التي عرفتها الكتابة الأدبية من منظور المنهج اللساني انطلاقا من الجملة إلى ما وراء الجملة. ( )
وتعتبر بعض البحوث حول الملفوظ والتلفظ (Enoncé et énonciation النص ملفوظا متفردا ومستمرا، ويرى أصحاب هذه البحوث في الوقت ذاته أن الكتابة الفنية تنظيم آخر مقابل للإنتاج اللغوي الشفوي. ( )
كما يرى "لوتمان Lotman" في نظريته حول النصوص"Théorie des textes " أن الوقوف على دلالة النص الأدبي غير ممكنة دون الاستناد على دلالات النصوص الثقافية المعاصرة لها في إطار التشابه والتكامل، وفي تقاسمها للموضوع الاجتماعي. ( )
والنص عند الدكتور عبد الملك مرتاض "شبكة من المعطيات اللسانية والبنيوية والأيديولوجية، تتضافر فيما بينها لتكوّن خطابا، فإذا استوى مارس تأثيرا عجيبا، من أجل إنتاج نصوص أخرى، فالنص قائم على التجددية بحكم مقروئيته، وقائم على التعددية بحكم خصوصية عطائيته، تبعا لكل حالة يتعرض لها في مجهر القراءة، فالنص، من حيث هو، ذو قابلية للعطاء المتجدد بتعدد تعرضه للقراءة. "( ) ولعل هذا ما تطلق عليه "ج. كريستيفا " (إنتاجية النص)، حيث إنه يتخذ من اللغة مجالا للنشاط، فتراه يتردد إلى ما لا نهاية، محدثا بعدا بين لغة الاستعمال الطبيعية وهي اللغة المسخرة لتقديم الأشياء والتفاهم بين الناس، والحجم الشاغر للفعاليات الدالة. ( )
إن جوهر الخطاب الأدبي في وجوده المبدئي ـ كما يرى الدكتور عبد السلام المسدي ـ " متناف مع خصائص حوار التخاطب بكل قوانينه الأدائية، وأبرزه أن الكلام في المحاورة ينبثق ثم يتبدى في عين اللحظة التي يكون قد أدى فيها وظيفته الإبلاغية، فهو يتولد وينقضي بلا مراوحة، إلا الكلام الأدبي فإنه ينبثق ليبقى، ويتكشف ليخترق حجاب الزمن. "( ) ولذلك كان لزاما أن يدخل ضمن عناصر تحديد النص شيء آخر غير بنيته التركيبية، فهو وإن كان في ذاته صياغة لغوية فإنه إلى جانب ذلك بنية أدائية، حتى إن قيمته الأدبية كثيرا ما تكون رهينة المقام الذي يسلك فيه وهذه هي البنية الإفضائية التي تتوالج مع البنية التركيبية. ( )
فالنص إذن تركيب وأداء وتقبل، أو هو ملفوظ وتلفظ واستقبال. ( ) غير أن الأمر لا ينتهي عند عملية التلقي؛ ذلك أن للمتلقي مع النص حالات متطورة، فللنص شأن عند مباشرته للمرة الأولى، ثم لـه شأن آخر عند معاودته، وشأن ثالث عند اختزانه، و رابع عند الحديث عنه، وهو في كل مرة كأنما قد صار نصا جديدا. ( )
ويتجاوز النص لدى "موكاروفسكي " رؤيته كوحدة فكرية وأيديولوجية فهو غير قابل للاختصار والاختزال، ولا يمكن مطابقته. ( )
وتأسيسا على ما تقدم، فإن النص الأدبي هو فعل أو ظاهرة سيميائية تشمل علامة مادية ولغوية متعددة المعاني، إيحائية تتجاوز واحدية الدلالة Monosémie إلى تعدديتهاPolysémie . ( )

ثالثا: اتجاهات الخطاب الأدبي من منظور المناهج النقدية الحديثة.
أضحى البحث في الخطاب الأدبي وصلته بالنقد يستحوذ على اهتمامات دارسي اللغة والأدب منذ بداية القرن العشرين، بفضل ما تقدمه الحقول المعرفية الجديدة كاللسانيات والأسلوبية والسيميولوجية من مصطلحات وأدوات إجرائية، تسهم في مقاربة الأثر الأدبي، بعيدا عن المقولات النقدية التي كانت مستعارة من كل الحقول إلا حقل الأدب.
ولذلك ألفينا اليوم تراجعا عن القيم والخصائص الجمالية التي كان يطلقها النقد العربي الكلاسيكي على الخطاب الأدبي من منظور انطباعي سطحي، منذ عرفت مناهج الدراسات اللسانية والأسلوبية والسيميولوجية الانتشار في العالم العربي عن طريق الترجمات.
وللوقوف على تطور اتجاهات الخطاب من منظور المناهج النقدية الحديثة، لا بد أن نربط راهن هذا النقد بالخطاب النقدي الكلاسيكي الذي لم يلغ صلته بالبلاغة العربية القديمة، وما آل إليه بعد تراكم المعارف النقدية والعلمية والثقافية التي تربطه بها صلات التأثير والتأثّر، مهدت لظهور خطاب نقدي جديد.
1 ـ اتجاه الخطاب النقدي الكلاسيكي وخصائصه:
ركزت أكثر مناهج تحليل النصوص الأدبية في النصف الأول من القرن العشرين في الوطن العربي عنايتها على دراسة محيط الخطاب وأسبابه الخارجية، وهي لم تقتصر على تحليل النصوص القديمة فحسب، وإنما كانت تسعى إلى تحليل النصوص الحديثة بالمنهجية الكلاسيكية نفسها، وما ذاك إلا لأن الموروث النقدي عبر مراحله المتعاقبة لم يرق إلى معالجة النص الأدبي معالجة كلية، وبقي في معظمه في حدود اللفظة والتراكيب، وطغت عليه النزعة الانطباعية، ولجأ أصحابه إلى احتذاء نماذج معينة، وأنماط تعبيرية جاهزة، يتخذونها مقاييس نقدية، قليلا ما يرضون بالخروج عنها.
ولعل هذا ما جعل الموروث النقدي حبيس معايير لم يستطع التخلص منها إلا في بداية القرن العشرين، وكانت نظرته بعيدة عن احتواء النص كاملا، لأنها (النظرة الكلاسيكية) لم تكن ترى في الأثر الأدبي سوى اللفظ أو الجملة أو الشطر أو الفقرة. وهو أسلوب النقد العربي القديم الذي كان يصدر أحكاما عامة من خلال معاينة الجزء.
وعلى الرغم من النتائج التي حققتها هذه الدراسات، والمناهج، في تفسير النصوص الأدبية، وتحليلها في ضوء سياقاتها المختلفة: الاجتماعية والتاريخية والدينية، فإنها لا تخرج عادة على التفسير التعليلي، ومحاولة البحث عن الأصول التي انبثقت عنها النصوص الإبداعية، دون مقاربة النص ذاته، ولذلك عجزت عن تحليل بنيات الأثر الأدبي ودلالاته العميقة، واكتفت في أغلب الأحيان بوصف المظهر النصي السطحي، وملابساته التاريخية والسياسية. ( )
ومما لا شك فيه أن صياغة الأثر الأدبي لا تنفصل عن عوامل المحيط كلها أو بعضها، وتطرح الخاصية الأدبية بعنف حين نعزل العوامل الفردية في تحديد العمل الأدبي عن العوامل التي تحدد إطاره الخارجي. ( ) وهنا يبدو عجز هذا الاتجاه في مقاربة الخاصية الأدبية، وتفكيك عناصرها الداخلية الدالة على فرادتها، والتي لا تخضع ـ في كل الحالات ـ إلى الظروف الخارجية المحيطة بالعمل الأدبي.
وبحثا عن منهج ملائم ظل النقاد الكلاسيكيون يتوسلون بشتى أنواع الآليات في دراسة النص الأدبي، وينتقلون من منهج إلى آخر، وفق مرجعيات معينة، ولكن ـ في أغلب الأحيان ـ انطلاقا من المناهج المعيارية التذوقية، نحو: النظرية المدرسية التي تقسم الأدب العربي إلى عصور، ونظرية الفنون الأدبية، ونظرية خصائص الجنس، والنظرية الإقليمية، والنظرية النفسية، والنظرية الاجتماعية. ( )
كما سعت المناهج الخارجية التي اهتمت بدراسة النصوص الأدبية إلى تأسيس نوع من العلاقة السببية أو الحتمية، بين الأثر الأدبي وكاتبه وبيئته، وهي تأمل من ذلك كله الوصول إلى تحديد العلاقة بين الأثر الفني ومحيطه. ( )
وهكذا عرف النصف الأول من القرن العشرين نصوصا نقدية تعتبر الأدب صورة عاكسة لإنتاج الفرد، ومن ثم ركزت على سيرة الكاتب ونفسيته. ( ) كما ظهرت دراسات للنصوص الإبداعية متأثرة بالعوامل الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية. كما حلل بعض النقاد النص الأدبي في ضوء علاقته بالابتكارات الجماعية للعقل البشري، كتاريخ الأفكار واللاهوت، والفنون. ( )
ويرجع ظهور المناهج الخارجية في تحليل النصوص الأدبية إلى العوامل والأسباب الآتية:
ـ تأثر النقد في تحليل النصوص الأدبية بالعلوم الطبيعية.
ـ ظهور تاريخ الأدب الحديث وعلاقته الوثيقة بالحركة الرومانسية التي لم تستطع أن تحطم الرؤية النقدية للكلاسيكية إلا بالحجة القائلة : "إن الأزمنة المختلفة تتطلب مقاييس نقدية مختلفة. "( )
ـ انهيار النظريات الشعرية القديمة، وما رافق ذلك من تحول في الاهتمام بالذوق الفردي للقارئ، حيث أصبح الاعتقاد الراسخ لدى معظم الدارسين أن أساس الفن لا يخضع للعقل، ومن ثم فإن الذوق هو المقياس الوحيد للتقويم، والنقد.
ـ تطور الخطاب النقدي في أوربا في الخمسينيات من القرن العشرين بفضل المنهج البنيوي الذي اعتمد على مقاربات ( كلود ليفي ستروس) في تحليل النصوص، انطلاقا من وجود أبنية عقلية لا شعورية عامة، تشترك فيها كل الثقافات الإنسانية، على الرغم مما بينها من اختلاف وتباين، وكانت الوسيلة الوحيدة للكشف عن هذه الأبنية اللاشعورية هي اللغة. ( )
وقد تأثرت عدة حقول معرفية بهذا المنهج العلمي، الذي أحدث ثورة في مناهج تحليل الخطاب الأدبي وغير الأدبي.
2 ـ اتجاهات الخطاب النقدي الحديث وتطوره في ضوء المناهج الحداثية:
تقف اتجاهات الخطاب النقدي الحديث "عند الدوال الشكلية الأساس التي تلعب دور المنتج للنص الأدبي بين الاختبارات اللسانية، والمحددات السيميائية، بما يؤدي إلى وضع الكتابة في إطار الأدبية، ويساعد على استخلاص هذه القيمة بالدرجة الأولى. " ( ) كما أنها تنظر إلى النص الأدبي لا كرجع انعكاسي لأدبية خارجية، ولكن كمجال يمتلك دواله القادرة وحدها على ربط العلاقة مع المدلولات، ثم مقدرة هذه الأخيرة انطلاقا من أسس لسانية باتت معروفة، على توظيف وصياغة الدوال. ( )
ومن شأن هذه النظرة النقدية الحداثية، تحويل مادة الأدب إلى حقل مستقل، لـه عناصر واقعه الذاتية؛ كاللغة والعلامة والوحدات الصغرى والكبرى، وبرصد هذه العناصر وتفكيكها، وتحديد البنيات التي تؤلف النص وتعيين السنن التي تقوم عليها في علاقاتها وتنظيمها، نكون قد وقفنا على أسباب تراجع الخطاب النقدي الكلاسيكي، لأنه لا يمتلك آليات، وأدوات إجرائية تمكنه من إعادة بناء النص، وتحديد مكوناته عبر تفكيكه. كما تتراجع النزعة التفسيرية القائمة على مبدأ المحاور والموضوعات التيمية، ذات الطبيعة التلقينية "Didactique". ( )
يلغي الخطاب النقدي الحديث من مجال اشتغاله كل تشريع مهما كانت طبيعته، ولا يبقي سوى على التشريع الذي يقدر عليه النص بوصفه صناعة كلام، ولكن أيضا بوصفه إنتاجا لخطاب هو خطابه. ( )
أ ـ الاتجاه اللساني في تحليل الخطاب ا

said bakkar

عدد المساهمات : 6
تاريخ التسجيل : 24/12/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى